نظرًا لأن فيروس كورونا الجديد ينشر المرض والموت والكارثة في جميع أنحاء العالم، لم ينج أي قطاع اقتصادي تقريبًا من الأذى، ومع ذلكوفي خضم الفوضى الناجمة عن الوباء العالميلم تنجوبعض الصناعات فحسب بل إنها حققت أرباحًا كبيرة.
هزت جائحة كوفيد19 أسواق الأسهم مما تسبب في تقلبات شديدة في جميع القطاعات،مثل أسعار أسهم شركات الطيران والنفط وأسواق تداول السلع والسيارات والعقارات التي تكبدت خسائر واسعة،في حين استفادت شركات أخرى خاصة في مجال التعليم والترفيه عبر الإنترنت.
ومع ذلك هناك قطاع واحد برز في الأسواق المالية وهو قطاع التكنولوجيا الحيوية، حيث أولي المستثمرون اهتمامًا خاصًا لتقلبات أسهم شركات الرعاية الصحية والتكنولوجيا الحيوية، يعتمد مسار كل صناعة بشكل أو بآخرعلى ما سيحدث في قطاع التكنولوجيا الحيوية، ستنتهي هذه الأزمة العالمية عاجلاً أم آجلاً ولكن ما يبدو مؤكدًا هو أن مخزونات التكنولوجيا الحيوية لن تكون أبدًا كما هي.
يري المستثمرون أن شركات الأدوية فرصة تجارية لا تتكرر إلا مرة واحدة في عقود عديدة، فخلال هذه الأزمة الكبيرة احتاج العالم إلى توافر منتجات صيدلانية وعلاجات ولقاحات ومستلزمات وأجهزة طبية بالإضافة إلى اختبارات الفيروس، ومن أجل هذا تنافست العشرات من الشركات للعمل على توفيرها.
فيروس كورونا جعل اهتمام العالم يتركز أيضًا على سلاسل التوريد لكل شيء بدءًا من معقمات اليدين وحتى الأقنعة والقفازات الطبية، مما سمح للكثير من الشركات بالاهتمام بذلك الجزء الحيوي الذي غالبًا ما يتم تجاهله من صناعة الرعاية الصحية.
إن الأزمة العالمية كان لها تأثير ايجابي كبير على القطاع الصحي العالمي من حيث المبيعات والأرباح، فكلما تفاقم الوباء زادت أرباحه النهائية.
أكثر جاذبية
لجأ المستثمرون إلى القطاع الصحي على اعتبار أنه الملاذ الآمن خلال الاضطرابات الشديدة التي لحقت بالأسواق المالية في وقت سابق من هذا العام، حيث شهد انتعاشًا ضخمًا في ظل مكافحة الشركات للتوصل إلى أول لقاح أو علاج لفيروس كورونا، وبالتالي ظهرت أسهم شركات الرعاية الطبية فجأة كفرصة كبيرة لتحقيق المكاسب.
لكن في الآونة الأخيرة تلاشى الكثير من هذه الجاذبية، وقام مديرو الصناديق بتخفيض مخصصاتهم لأسهم الرعاية الصحية وسحب المستثمرون مؤخرًا أموالاً من صناديق الأسهم العالمية التي تركز على القطاع الصحي أكثر مما فعلوه منذ ما يقرب من عقدين، الأمر الذي أدي إلى تكبد القطاع خسائر كبيرة، وبالرغم من ذلك إلا أن أنه لا يزال متراجعًا بنسبة 0.3% فقط في عام 2020.
أسباب تراجع أسهم الرعاية الطبية
يقول المستثمرون إن الخسائر الأخيرة للقطاع تعكس قائمة متزايدة من المخاوف،منها ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا التي أدت بالفعل إلى توقف العمليات الجراحية الاختيارية في بعض المناطق بما نتج عنه انخفاض الإيرادات حيث تحافظ المستشفيات على قدرتها لمواجهة حالات الإصابة بالفيروس، وفي الوقت نفسه تواجه الشركات التي تعمل على التوصل لعلاج ضغوطًا لإبقاء تكاليف الأدوية منخفضة، كما تسربت المخاوف إلى نفوس المستثمرون من اكتساح الديمقراطيين في انتخابات الرئاسة الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل الذي قد يؤدي إلى تغييرات في الصناعة.
على الرغم من الارتفاع السريع في وقت سابق من هذا العام فإن العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية والأدوية تتداول الآن أقل بكثير من أعلى مستوياتها لعام 2020، حيث توافد المستثمرون في البداية على الشركات التي تعمل على لقاحات وعلاجات الفيروسات لكن نتائج التجارب كشفت أن الطريق لا يزال طويلًا،وبدأ المستثمرون يدركون أن العديد من الشركات ستكافح لإيجاد علاج فعال ومن المرجح أن يتم الضغط عليهم للحفاظ على أسعار أدويتهم منخفضة، مما يحد من فرص الربح الكبيرة.
نتيجة لذلك تراجعت أسهم شركةModerna وشركة Inovio Pharmaceuticalsوكلاهما يعمل على لقاح بنسبة لا تقل عن 26% من أعلى مستوياتها التي تم تسجيلها هذا العام، شركة جلعاد للعلوم شركة الأدوية التي تقف وراء علاج Remdesivirانخفضت أيضًا عن أعلى مستوى لها في أواخر أبريل.
كان قطاع الرعاية الصحية الأفضل أداءً في مؤشر ستاندرد آند بورز 500هذا العام حتى 23 أبريل ومنذ ذلك الحين كان من بين الأسوأ.
يعتقد المحللون أن النزوح الجماعي للمستثمرين من قطاع الرعاية الصحية يشير إلى بعض عمليات جني الأرباح بعد ارتفاع قوي، كما أن التدفقات الداخلة إلى القطاع عادت إلى مستويات أقل بكثير مما كان في الربع الأول لهذا العام، ويشيروا إلى التغييرات الأخيرة في أداء القطاع الطبي تزامنت مع التحول السياسي أيضًا في الولايات المتحدة، فمع بدء خروج الأموال من الاستثمارات في شركات الصحة والتكنولوجيا الحيوية بدأت المزيد من استطلاعات الرأي تظهر أن المرشح الديمقراطي المحتمل”جو بايدن” يتفوق على الرئيس ترامب بهامش أوسع.
يميل قطاع الرعاية الصحية والقطاع المالي إلى أن يكون أكثر حساسية واستجابة للتحولات السياسية في الولايات المتحدة بسبب سياسات التمويل.
قال العديد من المستثمرين والمحللين إنهم ليسوا قلقين بشأن أي انخفاض كبير على المدى الطويل في الطلب على القطاع الصحي على الرغم من القيود المفروضة على العمليات الجراحية الاختيارية في بعض المناطق، في حين بدأت مرافق أخرى في جدولة الزيارات والإجراءات مرة أخرى،ويروا أن القطاع الصحي على عكس بعض القطاعات التي قد تعاني من تغيرات دائمة في سلوك المستهلك حيث أن الطلب على الرعاية الصحية سيستمر، مشيرين إلى ارتفاع معدل التوظيف في القطاع.
ومن جهة أخرى يقول التجار إنهم سيراقبون لمعرفة ما إذا كان ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا قد يزيد من الضغط لإيجاد علاج فعال وسريع أو لقاح، بما سيلقي بظلاله على أداء أسهم القطاع ككل.